Saturday, July 16, 2011

ثورة الشرفاء


ثورة الشرفاء


"لن يكون لدينا ما نحيا  من أجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت لأجله "
تلك المقولة التي أطلقها "جيفارا" وظننت مؤخراً  قبل ثورة 25 يناير أنها أصبحت تنطبق علي الأحلام والأماني الفردية وما عدنا نفكر أن المقصود منها كما أطلقها جيفارا الموت من أجل حياة الوطن بحرية ،وظننت اننا أصبحنا بلداء المشاعر ،توغلت فينا السلبية وجعلتنا نفقد الهوية الوطنية والعربية ونرضي بالهوان والطغيان.


حتي أتت ثورة 25 يناير لتعيد طلاء تلك  الأفكار الراقدة التي أولدها النظام والأحداث بداخلي وتحولها إلي نظرة لأروع المشاهد الوطنية رسمت حدودها دماء شهداء الثورة ،وحمل كاهلها الأحرار من شعب مصر وورسمت اروع صورة في تاريخ الثورات العالمية وخلقت داخل المصريين روح فرحة وثقة وأمل وذهول وغيرهم من أحاسيس مهما حاولت التعبير عنها بكلمات ستظل هناك مشاعر مخفية بين حنايا فؤادي لن أستطيع وصفها  .

ثورة 25 يناير ما هي إلا إنتفاضة حرة أتت علي خلفية إحتفان شديد من الشعب لما عاصره طوال 30 عام من تفشي أوضاع الفساد والسوء والظلم وإهدار الحقوق،نتج عنهم في النهاية إعلان العصيان بشكل سلمي ومطالب مشروعة وتنسيق شهد لنا العالم أجمع بروعته.


وحمداً لله أنتصرنا شباب الثورة  في معركة إسقاط رأس النظام وتمت الإطاحة به، وبدأ العمل الأهم من أجل بناء نظام سياسي ديمقراطي يحترم كرامة الإنسان ويؤدي إلى ظهور حكومة مسئولة تعمل للصالح العام ويمكن محاسبتها.

الرائع أن تلك الثورة أحدثت تغيرات سياسية وأعظم منها إجتماعية علي رأس تلك التغيرات تغيير لهجة الخطاب من المسئولين الرسميين إلى عامة الشعب وشعورهم أن قوة الشعب يمكنها تحطيم قوي النظام الحاكم مهما حاول تسليط جميع أنظمة الدولة العسكرية لصالحه،بالإضافة لأن جميع المناصب ستصبح بالإنتخاب الديمقراطي  . 

فضلاً عن أنها أولدت القوة في المطالبة بالحق بمشروعية دون الجرأه المتناهية التي يمكن ان تتيح الفرصة للعصيان الباطل،،وستجعلنا نري كيان الشرطة  الجديد يقوم بدوره الأساسي في خدمة الشعب وليس النظام الحاكم ومساندة جهاته السياسية،وأستطاعنا ان نضع الفاسدين في مرتبة المحاكمة  وجعلهم عبرة لمن يحاول ان يتبع نهجهم فيما بعد

والأهم هو الجانب الإجتماعي حيث أعادت تلك الثورة  نبض الحياه للشارع المصري فيما ظهر من مدي التكاتف الشعبي الغير مسبوق رغم الصعوبات التي واجهت البلد ،وأدرك معظمنا قيمة الانتماء للوطن والتلاحم وقبول الإختلاف ورأينا نموذج مشرف من الشباب في الشعور بالمسئولية تجاه مصر والإصرار علي تكملة الثورة برغم معوقات إبطالها من النظام،وظهر أيضاً في قيام الشباب بعمل لجان الشعبية لحماية الممتلكات العامة والخاصة وحملات إصلاح الشوارع وتنظيفها  وتنسيق حركة المرور بعد غياب قوات الشرطة

وبالرغم من شدة ايام الثورة إلا انها نموذج لخفة دم الشعب المصري حتي في الأزمات ووضح ذلك من كم النكت والمواقف والتعليقات  واللافتات المضحكة التي خرجت تلقائية أثناء الثورة من الشباب المتظاهر او الشعب عموما والتي بهرت العالم أيضاً بمدي خفة الروح المصرية حتي وقت المعاناة  

وأعظم نتاج للثورة أننا أستطعنا تصحيح نظرة العالم كله تجاه مصر والمصريين وأصبحنا نرانا في عيون الغير بصورة مشرفة نفخر بها بإعتبار شبابنا نموذج  رائع يجب الاقتداء به وهو ما وضح في خطابات مسئولي الدول الغربية خلال الايام الماضية .


حتي تسببت تلك الثورة في النهاية في إصلاح ما حاولت مراراً وتكراراً الحلم بإصلاحه  ،وتسببت في إعادة الروح للشباب المصري الذي وصل لمرحلة حلم اغلبه بالسفر والهجرة خارج بلده للنهوض بذاته بعيدا عن ركاكة الوضع في  مصر..

والفخر كل الفخر لنا أن تكون ثورة 25 يناير بما أحدثته من تغيرات وشهدته من شجاعة وسلمية من المتظاهرين جعلت العالم بأجمعه يعتبرنا نموذج مذهل.. ما هي إلا نتاج شبابي في البداية تحول لشعبي في  طريقه،بعيدا عن تنظيمات  أحزاب المعارضة في مصر،والذين أثبت بعضهم أنهم اشكال كرتونية ركيكة الوضع غير قادرة علي  إحداث تغيير في الواقع السياسي،فضلاً عن موالاة بعضهم للنظام الحاكم.

و كشفت  الثورة حقيقة الإعلام المصري..صاحب الدور الأكبر في التستر علي بؤر الفساد ، وما كان عليه من نفاق وغياب المصداقية وفقدان الموضوعة  والشفافية ،والغريب ان نبرة الإعلام المصري تغيرت بعد الإطاحة بمبارك لمحاولة إثبات انهم كانوا ضحية جبروت نظام ديكتاتوري ،ولكن هذا لن يشفع في الرضا عنهم وعن تواجدهم في الإعلام مجدداً لأن الإعلامي الذي ينجرف وراء حملات التضليل وخاصة إن كانت القضية تهم وطنة وهو علي علم بحقيقتها فهو غير لائق بوجود مثله في الإعلام الشريف الذي نرغب في وجوده مستقبلاً.


ولكن بعد ولود الحرية ،وسطوع شمس الديمقراطية ،وعودة الأمل إلي أرواحنا ...علينا العلم ان مصر بعد الثورة مقبلة علي مفارق طرق متعددة وتتمثل في  شباب الثورة الرائعين الذين يصرون علي إحداث التغيير الجذري للتحول لدولة ديمقراطية،وغيرهم بعض بؤر التسلط من النظام المخلوع والتي ما زالت تتحكم بشكل غير مباشر ببعض الأوضاع وتفكر في كيفية إعادة هيمنتها ،او من أحزاب المعارضة الزائفة التي حاولت القفز علي الثورة بعد بدأها وكأنهم من صنعوها ، أو من القوي الخارجية التي تحاول الهيمنة لحماية مصالحها داخل مصر.


وهذه المفارق تدل علي أن التخلص من الحاكم ما هو إلا بداية الطريق لإحداث التغيير الذي ننشده وبالتالي فما زال يلزمنا تحمل المسئولية في إدارة المرحلة الانتقالية التي نعاصرها للتحول إلي التغير الديمقراطي والذي يتطلب التفكير بروح الجماعة بدلاً من الطائفية التي بدات تنتشر وأخشي ان تكون سبب في هدم ما أولدته الثورة من نجاح حتي الآن.

كما أن الوقت الآن ليس مجال للسير في طريق معارض للقوات المسلحة  بل يلزمنا السير في خط متوازي معها وإحترامها فيما لا يمس أهداف الثورة ،وبالتالي يلزم وقف الإعتصامات التي قادها جميع عمال وموظفي شركات مصر الايام الماضية والتي تسببت في إيقاف حركة العمل بالعديد من الهيئات ومن الممكن ان تحدث بلبلة حقيقية قد تضر بالثورة.

ولا أعني ان يقف هؤلاء عن المطالبة بحقوقهم المشروعة ولكن لكل مرحلة مطالبها وإصلاحاتها والوقت الآن يجب ان تكثف فيه جهودنا لتغيير الوضع السياسي وتطهير مصر من جميع بؤر الفساد ومن ثم البدء في إصلاح جميع القطاعات بشكل متوازي بدلاً من وقف العمل في الوقت الراهن بجميع الهيئات كما شهدت الأيام الماضية.


كما أننا يجب أن ندع المهاترات التي لا داعي لها في الإفتراء علي شخصيات بعينها من شباب الثورة ومنهم وائل غنيم في إتهامه بالماسونيه وأمور غيرها،أو في الخلاف علي عمل حزب لشباب الثورة ،أو في الحديث عن المادة الثانية من الدستور والتي لم يتحدث أحد من الأساس عن تغييرها والحديث فيها الآن ما هو إلا خلق مشاحنات غضب طائفية.

لا تدعونا ننسج خيوط المعاداة لبعضنا البعض من جديد بعد أن عادت أرواحنا للنقاء ،ولا تدعونا نتيح الفرصة لأن نكون ثورة صنعها شرفاء وأستغلها وورثها أوغاد .

إدارة المرحلة الإنتقاليه التي نعاصرها تكاد تكون أهم مراحل الثورة حتي  الوصول لبر الأمان ونصنع مشارف المستقبل كما يجب ان يكون ،والنهوض بكل قطاعات الدولة لن يتم إلا بمشاركة سواعد الشباب والخبراء من منظمات المجتمع المدني والمسئولين الوطنيين.


والحذر كل الحذر من تكون ثورتنا من صنع الشرفاء ويرثها منا أو يستغلها الأوغاد .



 دعــــاء جـــابر
17 /2/2011




No comments: