أظن الآن مصر وشعبها أشبه بالقارب الغير مُحكم الذي يقف عند منحدر طريق ويتعرض لموجات أما أن تتسبب في إغراقه ،أو أن يتخطاها ركابه بأن يكونوا كتلة واحدة تستطيع التصدي لتلك الموجات بحكمة وشجاعة وعمل يدفعوا به القارب للوصول لبر الأمان .
وبعدما أسدلت الثوارت العربية الستار عن مؤسسة كنا نظن أنها ملك الشعوب وهي مؤسسة الجيش إلا أن الصدمة العارمة كانت لبعض الشعوب التي أكتشفت ان تلك المؤسسة تابعة لحكامها بشكل أو بأخر...فقد أثببت ثورة ليبيا وسوريا واليمن أن مؤسسة الجيش التي تنفق الدول من أموال شعوبها عليها قد أتي اليوم التي تضخ فيه نيرانها في وجه أبناء شعبها بعد خروجهم لرفض سياسة الحاكم ، الأمر الذي جعل دماء تلك الشعوب تنزف في أراضيها كصنبور مفتوح لا يجد من يغلقه .
وإن كان الأمر أختلف في مصر حيث حسم جيشنا موقفه ببسالة مع الشعب يوم 11 فبراير وتولي إدارة المرحلة الأنتقالية والقيام بمهام رئيس الجمهورية ، و برغم أنتقاد وأعتراض العديد منا علي المجلس العسكري وشعورنا بالتخوين تجاهه تاره في مواقف وبإنقاذه للمواقف تاره أخري إلا أن العلاقة الأبدية بين الجيش والشعب لم تمس وستظل محفوظة حتي وإن مست العلاقة بين المجلس العسكري وقياداته وبين الشعب .
ثمة أوضاع تسببت في ذلك الشرخ بين المجلس العسكري وأبناء شعب مصر لأن هناك أعتبارات لم يستوعبها المجلس هي أنه في ظل عدم وجود مجلس تشريعى يمارس الرقابة على أداء المجلس العسكري فمن حق الشعب أن ينتقد أدائه ويقترح عليه بدائل السياسات والأجراءات وأن الشعب لن يقبل للمجلس أن يتولي إحكام أموره إلا بشرعية وسيطرة عادلة لمصلحه البلد المتمثلة في مصلحة شعبه اولاً وليس مصلحة نظام اباده الشعب أو مصلحة أشخاص داخل المجلس نفسه.
ولكن...يظل سؤال الشعب مفتوح...لماذا أظهر المجلس للشعب انه غير متحمس لعهد جديد ولم يتجاوب مع مطالبنا في محاكمة رموز النظام السابق محاكمة جادة دون تباطؤ ، وظل يعامل الجناة بكل أحترام داخل سجن طرة في حين أن الفترة الماضية تم التعامل مع شباب ونشطاء سياسيين من الشرطة المدنية والعسكريةً بالضرب والإهانة ،وكأنهم ينتقمون من الثورة التي صنعوها ،و لماذا لم يقوم بحركة تطهير واسعة للشرطة والحكومة والقضاء ،لماذا لم يطلق الأمر لرئيس الوزراء أبن التحرير ليعين من يشاء وينهي خدمة من يشاء دون تدخل ،و لماذا تدخل في تعيين محافظين وزراء لم ينتخبهم الشعب بل وأننا أبدينا تحفظنا الشديد عليهم .
هذا التباطؤ والتأني مع تحقيق مطالب الثورة فضلاً عن وجود علامات استفهام عديدة حول مواقف وأداء المجلس العسكري خلق أنقسام للشعب بين فئتين أحدهم مؤيدة له بإستمرار والأخري قررت الأعتصام والتظاهر مرة أخري بعد الشعور بأن المسار الحالي لا يعبر عن مطالب الثورة وطموحاتها المشروعة والتي ظننا انها ممكنه بعد سقوط النظام ،فضلاً عن فئة أخري تركت الأمر في ذمة المجلس ورئيس الوزراء وكلامهم تركز في تشغيل العجلة الأنتاجية وعدم اللجوء لأي أحتجاج أو أعتصام من شأنه أن يعرقل حركة العمل في البلد دون النظر أن الأنتاج عجلة لابد أن توضع علي القضبان الصحيح قبل المطالبة بتحريكها بسرعة كي تتجه للمسار الصحيح، وبالتالي فعلي المجلس العسكري ان يساند الثورة بالفعل وليس القول ويحطم اركان النظام السابق دون الدفاع علي ابقائه لكي نتحدث بعدها عن عجلة الأنتاج التي يجب أن تسري في مسار سليم .
أما المعتصمون من الناحية الأخرى فحتي وإن أتفق العديد مع فكرة الأعتصام لتحقيق مطالب الثورة ودق جرس إنذار أن الثورة لها شعب يحميها ولن يتخلي عن مطالبها ،و مستعد للإطاحة بكل من يقف عائق لتنفيذ المطالب المشروعة لثروته ،إلا أن ما تشهده الميادين هو أن الثوار ليسوا في تيار أو توجه واحد وبالتالى فان الرسائل التى تصل منهم في نظر باقي الشعب متباينة للغاية ،وهو ما يجعل ناقوس الخطر يدق مرة أخري عن ضرورة تنظيم المعتصمين لوضعهم جيداً في كيانات قادرة علي أكتساب أرضية المواطنين في الشارع والسياسيين في منظماتهم لإيصال صوت واحد لشعب واحد...من خلال طرح رؤية متكاملة عن ماهية المطالب التي يجب أن يتوحد عليها الثوار ،ووسائل التصعيد المتفق عليها ..كي لا يخرج علينا من يتحدث أو يبدي فعل بأسم الثورة والثوار وهو لا يعبر إلا عن رأي عدد وليس رأي الأغلبية التي شجعت الأعتصام..وحينها لن تستطيع أي قوي التغلب علي إرادة شعب حافظ علي ثورته.
نحن الآن أمام
- ..مجلس عسكري مواقفه في نطاق المبهمه وسوء الظن تجاهه وارد ويشعر المتظاهرين أنه يتفضل عليهم بتجزئة الموافقة علي مطالبهم
- رئيس وزراء حتي وإن لم يكن من فلول النظام البائد ولكنه أثبت أن التحكم خارج نطاق سيطرته رغم ان معه قوة
شعبية من الممكن ان تسانده في أي قرارات حاسمة مشروعة لصالح الثورة
- معتصمين يرفضون نصف ثورة..وبداخلهم طاقة غضب يمكن أنم تتفجر كالبركان بوجه من يحاول العبث بمطالبهم
-إعلام لم يتعلم من أخطائه السابقة ويصر علي تجزئه الحقائق وتشويه الثوار بشكل مباشر أو غير مباشر
لدينا جميعاً شعور أن المسار الحالى لا يعبر عن طموحاتنا التى باتت مشروعة ولكن المشهد في طريقه إلي الإزدهار و ما يحدث الآن يكاد يكون في مصلحة مصر حتي تفرز الثورة ما تبقي من فاسدين ومنافقين وأنتهازيين بعد ان استطاعت التخلص من رؤوس الفساد فقد أتي الدور للتخلص من جميع بؤر الفساد الموجوده ،فلنجعل من الحوار بيننا كشعب صمام أمان للوطن وندعنا من سياسة التخوين والإختلاف في أمور ليست جوهرية مقارنة بأهداف الثورة ونسلك مسار التوحد والتنظيم والسلمية مثلما أشتهرت ثورتنا به من البداية أمام العالم .